يا عراقيي أستراليا.. انتخبوا

رغم تطبيل وتزمير الوسائل الإعلامية الأسترالية لولادة دولة ديمقراطية جديدة في الشرق اسمها العراق، وتخصيص صفحاتها الرئيسية، ونشراتها الإخبارية للتكلم عن ذلك، نجد أن العديد من عراقيي أستراليا يحجمون عن تسجيل أسمائهم على لائحات الشطب أو الإقتراع، لا فرق، مخافة أن ترميهم الحكومة الأسترالية في أول مركب عائد إلى العراق بعد الإنتخابات، لأنهم بمعظمهم لم يحصلوا على إقامة شرعية، ووضعهم الإغترابي غير مستتب، ورجوعهم إلى بلادهم مرهون برجوع الأمن والسلام إليها. وهذا ما يخيفهم حقاً.
عيب.. يا جماعة.. عيب، ألا يشتري الواحد منا استقرار بلاده الأم، وعودة الديمقراطية والسلام برجوعه إليها والإرتماء في أحضانها، والمساعدة على ازدهارها وتقدمها، وتسخير خبرته الإغترابية التي اكتسبها في هذه البلاد الرائعة من أجل رفع شأنها، وجعلها أجمل البلدان قاطبة؟.
أخوفنا من العودة إلى أحضان أمهاتنا، وشوارع مدننا وقرانا، ومواجهة العنف بالسلام والحضارة، يجعلنا نحجم عن تسجيل أسمائنا والاقتراع لعراقنا الممزق، وهو بأشد الحاجة إلينا؟.
إنها مهزلة ما بعدها مهزلة، وكل من خضع أو سيخضع لها سيلعنه العراق والديمقراطية التي يحلم بها الشرق إلى الأبد، وستسقطه أستراليا من بنوتها، ولو بعد أجيال، لأن من لا خير فيه لوطنه الأم، لا خير فيه لوطن جديد يحاول الإنتساب إليه زوراً.
بعض العراقيين الشرفاء تكبّدوا مشاق السفر من ولاية، لا مكاتب للتسجيل فيها، إلى ولاية أخرى، بغية تسجيل أسمائهم والإدلاء بأصواتهم الذهبية في مسيرة تاريخية نأمل أن تعم شرقنا التعيس بأكمله، ألا وهي خطوة الألف ميل على طريق الديمقراطية المشرقة، وقد التقت وسائل الإعلام ببعض هؤلاء الشرفاء، وسلطت الأضواء عليهم، وأشادت بهم، كما لم تشد بمواطن أسترالي من قبل. كيف لا، وقد أعطوا درساً في الوطنية لشعوب كثيرة، أوضاعها الإنسانية والإغترابية في أستراليا، كوضع الشعب العراقي الحبيب تماماً.
إنها انتخابات مباركة، رغم كل ما سيشوبها، ويجب أن لا تفشل، لا حبّاً بأميركا، ولا نكاية بالإرهاب، بل كرمى لعينيّ العراق، ومن له أذنان سامعتان فليسمع.
يا عراقيي أستراليا عراقكم يناديكم، والشرق يناديكم، والكون كله يتطلع إليكم، فلا تتكتفوا، ولا تتستروا، ولا تتخاذلوا، ولا تتباخلوا، ولا تتجاهلوا، ولا تتقوقعوا، مستقبلكم ومستقبل أطفالكم على بعد خطوات منكم.. فانتخبوا.. ثم انتخبوا.. ثم انتخبوا.
**
بنايات لبنان تباع على العظمحركة العمران في لبنان ناشطة على قدم وساق، ولكن ليس هناك من يشتري، وليس هناك من يكمل البناء، فمعظم البنايات ما زالت على العظم، كما يقولون، أي أنها أشبه ما تكون بهياكل بشرية مرعبة، جمعوا عظامها، ليعلّقوها في عيادات الأطباء. فكيفما اتجهت، وكيفما التفت، تجد الباطون المسلح الرمادي اللون مشرئباً في الفضاء، يحجب الجمال، ويشوه الطبيعة، ويخبرك حكاية الإفلاس الاقتصادي والهجرة البشرية المؤلمة.
الكل يبني، والكل يعاني، والكلّ ينتظر.. ولن يأتي الفرج إلاّ عن طريق المغتربين القادمين إلى لبنان لاستثمار بضعة آلاف من الدولارات، جمعوها بعرق جبينهم، بغية استملاك مرقد عنزة لهم في وطنهم الأم. وكثيراً ما يقع المغترب المسكين فريسةً بأيدي تجّار الشقق، فيسلخون جلده وفمه مفتوح اندهاشاً بالمنظر الخلاّب الذي تطل عليه الشقة. فيدفع ثمنها أضعاف الاضعاف وصوت التاجر يرن في أذنيه: هذه شقة فخمة لن ترى مثلها في كافّة أنحاء لبنان. أجل، سترى مثلها، وأفضل منها، وأرخص منها لو فتّشت. فأنّى ذهبت، وأنّى اشتريت في لبنان ستجد المناظر الخلاّبة التي تسحر النظر، وتجعلك تقف مشدوهاً أمام الجمال اللبناني الخلاب، وتصرخ مع وديع الصافي:
جنّات ع مدّ النظر
ما بينشبع منها نظر
يباع متر البناء المربّع في لبنان بـ 350 دولاراً، ومنهم من يبيعه بـ 450 دولاراً، ولكن إذا كاسرت فلسوف تحصل عليه بـ 280 دولاراً، وستوفر على جيبك أكثر من 10 آلاف دولار في الشقّة الواحدة.. هذا طبعاً في المناطق الشعبية، وليس في منطقة الفنادق أو الروشة أو ما شابه. هناك لن يستملك إلا الوليد بن طلال ورفيق الحريري ومن هم على شاكلتهما.
صحيح أن الدجّالين كثر، ولكن (الأوادم) أكثر منهم بكثير، فإذا تعاملت مع دجّال فلا تيأس، لأن اللـه سيمنّ عليك بإنسان شريف لـم تلد الامهات مثله، وسيأخذ بيدك إلى برّ الامان.
(العفش) رخيص جداً في لبنان، فإذا اشتريت شقّة باشر بفرشها، ولكن عليك، كي توفّر، أن تزور الاسواق الشعبيّة قبل أن تشتري، وأن تبتعد قدر المستطاع عن الأسماء اللامعة الساطعة في دنيا المفروشات، فكل شيء يباع (شرفية) في لبنان، وما عليك إلاّ أن تحفظ شرفك ومالك وتفرش شقتك بدون (شرفية)، فالإنسان العاقل أبعد ما يكون عن هذه السفسطات التي لا طعم لها. تسوّق في الاماكن الشعبية قبل أن تشتري، فإذا كانت أستراليا أم الفقراء، فلبنان، بنظري، أبو الفقراء، وجدّ الفقراء، وحامي الفقراء، فانتبه فيه على قرشك ولا تدع أحداً يضحك عليك.
**