الكنائس.. لا تخيف إطلاقاً

تناقلت الأنباء خبر تبرع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، بقطعة أرض لبناء أول كنيسة في بلاده، وأرجو أن لا تكون آخر كنيسة، وأن يحذو حذوه باقي الملوك والأمراء في دولنا الخليجية، من أجل إثبات القول بالفعل، ان الإسلام ما جاء إلا رحمة للعالمين، وأن (النبي محمد دعا إلى ضرورة السماح للمسيحيين واليهود بممارسة معتقداتهم علانية)، على حد قول أحد رجال الأعمال القطريين.
صحيح أن ما فعلته قطر قد سبقتها إليه عدة دول خليجية، وقد زرت بدولة الإمارات العربية إحدى الكنائس، ورأيت المؤمنين يدخلون إليها، ويخرجون منها والفرح يغمرهم، والأمان يحيط بهم، تماماً كما يفعل إخواني المسلمون في أستراليا، فهم، إن ضاقت جوامعهم العديدة بأعدادهم الغفيرة، صلّوا في الطرقات الفرعية والرئيسية، دون أن يتأفف أحد من المسيحيين، لا بل نراهم يشاركونهم فرحة أعيادهم، فيسهلون لهم الأماكن العامة للتجمع والصلاة، ووسائل النقل للإنتقال السريع إلى مراكز احتفالاتهم الدينية، كي تكتمل فرحتهم، التي هي بالتالي فرحة أستراليا، الأم الحنون، التي تحضننا جميعاً.
إذا كانت قطر، وفي بداية الألف الثالث، قد سمحت ببناء أول كنيسة مسيحية، فإن أستراليا التي تبعد عن مكة المكرمة آلاف الأميال، قد ساهمت ببناء عشرات المساجد والمدارس الإسلامية، كي لا أقول المئات، كما أنها فتحت أمام المصلين المسلمين أبواب غرف خاصة في مراكز بلدياتها، وأبنية جامعاتها، لدرجة أصبح معها المسلم لا يحتاج لقيادة سيارته مسافة طويلة من أجل الصلاة في جامع بعيد عن مكان سكنه، هو مواطن من الدرجة الأولى، وما يحق لغيره يحق له دون زيادة أو نقصان.
يعيش في قطر أكثر من سبعين ألف مسيحي، يتطلعون الآن بأعين ملؤها الأمل والغبطة للصلاة ضمن جدران أول كنيسة وهبت لهم، هي لم تبنَ بعد، ولكنها بنيت في مخيلاتهم، زاروها في أحلامهم، ورسموها على دفاتر أطفالهم، أفلا يحق لهم بأكثر من كنيسة؟ أفلا يحق لكل ألف مسيحي كنيسة يؤمونها للصلاة؟ وهل بإمكان كنيسة يتيمة واحدة أن تستوعب أكثر من سبعين ألفاً من سكان قطر المسيحيين؟.
لماذا لا يسمحون ببناء كنيسة في السعودية مثلاً، وقد سمح الفاتيكان ببناء جامع في روما، فهل يحق لمسلمي إيطاليا ما لا يحق لمسيحيي السعودية؟ وهل بابا روما يؤمن بحرية العبادة والصلاة لكل مخلوقات الله، أكثر من بعض مشايخ المسلمين، أحفاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي رفض الصلاة بكنيسة القيامة، كي لا يقال يوماً: هنا صلّى عمر، وتتحول إلى جامع؟ فلماذا ينعم الله على رأس كنيستنا الكاثوليكية، وعلى خليفتنا الثاني بكل هذا الإنفتاح الإنساني الغامر، ويحرم بعض المسلمين من هذه النعمة: حرية العبادة لكل إنسان؟ فهل يعقل أن يكون الفكر المنفتح على خطأ، والفكر المتزمت المنغلق المريض على صواب؟ والكون، من مشرقه إلى مغربه، تحول إلى قرية صغيرة نرتاد بلدانه المختلفة عشر مرات في اليوم الواحد، قبل أن تغيب الشمس، وتحجب نورها الوضاء عنا.
كليف هاندفورد، أسقف الطائفة الإنجيلية في قبرص والخليج قال عن الكنيسة المزمع بنيانها: أن ذلك يدل على بعد نظر حاكم قطر، وعن اهتمامه بالتقاء الأديان، كما أنه يشجع على الحوار، خاصة بين المسلمين والمسيحيين. فلماذا لا يتمتع البعض بما تمتع به الشيخ حمد من بعد نظر وانفتاح وإنسانية؟.
أعتقد أن هذا الأسقف على حق، تماماً كما كان بابا روما على حق حين سمح ببناء جامع بالقرب من فاتيكانه، أو كما فعل الفاروق حين امتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة كي يحميها لمسيحييها من تزمت المتزمتين، أو كما فعل حمد بن خليفة آل ثاني، حين تبرع ببناء أول كنيسة في قطره الحبيب، فدخل بذلك التاريخ من بابه الواسع.
لا يخاف من معتقدات الغير إلا من يجهل معتقداته، فبربكم آمنوا بالله، لتؤمنوا بخلائقه إلى أي دين انتسبوا.
**